الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
للفعل توكيدٌ بنونين هُما... كنوني اذهبنَّ واقصدنهما للتوكيد نونان ثقيلة كنون "اذهبن" وخفيفة كنون "اقصدنَهما" وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما، ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقلية، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشد من الخفيفة. وفهم من قوله: "للفعل" اختصاصه بهما، وندر توكيد اسم الفاعل كقوله: أقائلُنَّ أحضروا الشهودا يؤكدان افعل ويفعل آتيا... ذا طلب أو شرطا إما تاليا نونا التوكيد يؤكدان الأمر والمضارع دون الماضي؛ وقد جاء توكيد الماضي؛ لكونه مستقبل المعنى في قوله: دامَنَّ سعْدُكِ إن رَحمْتِ متَيَّمَا.............................. فأما الأمر فيؤكدانه بلا شرط نحو "اضربن" وكذا الدعاء نحو: وأَنْزِلَنْ سكينةً عَلَيْنَا وتوكيد الأمر بالنون جائز لا واجب. وأما المضارع فإن كان حالا لم تدخل عليه النون؛ ولهذا قال: "آتيا"، وإن كان مستقبلا أكد بها لا مطلقا بل في مواضع مخصوصة: أولها: أن يكون بعدما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو أداة تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام بحرف أو باسم خلافا لمن خص ذلك بالهمزة وهل، وقد أشار إلى هذا بقوله: "ذا طلب". الثاني: أن يكون شرطا لأن مقرونة بما الزائدة نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ}. وإلى هذا أشار بقوله: "أو شرطا إما تاليا" واحترز من الواقع شرطا لغير إما فإن توكيده قليل كما سنذكر. الثالث: أن يكون جوابا لقسم بخمسة شروط: الأول: أن يكون مستقبلا، فإن الحال لا يؤكد بالنون كما سبق، فإذا أقسم على فعل الحال صدر باللام وحدها كقراءة ابن كثير: "لَا أُقْسِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ". ومن منع الإقسام على فعل الحال أول الآية على إضمار مبتدأ، أي: لأنا أقسم، والمنع مذهب البصريين. الثاني: أن يكون مثبتا، فإن كان منفيا لم تدخله النون نحو: "والله لا يقوم زيد". وقد جاء توكيد المنفي في قوله: تالله لا يُحمدنَّ المرءُ مُجْتَنِبَا... فِعْلَ الكرامِ ولو فَاقَ الورَى حَسبَا الثالث: أن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، فإنه لا يدخله النون نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. الرابع: ألا يكون مقدم المعمول كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ}. فإنه لا تدخله النون. الخامس: ألا يقترن بقد نحو: "والله لقد أظن زيدا منطلقا"، فإنه لا يجوز توكيده "بالنون". وإلى هذا أشار بقوله: أو مثبتا في قَسَم مُستقبلا.......................... لكنه أخل بشتراط الثلاثة المتأخرة. وقد نبه في الكافية والتسهيل على الثالث والرابع. تنبيه: توكيد المضارع بعد الطلب ليس بواجب اتفاقا، وأما بعد إما فمذهب سيبويه أنه ليس بلازم ولكنه أحسن؛ ولذا لم يجئ في القرآن بعدها إلا مؤكدا، وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين، وهو الصحيح، وقد كثر في الشعر مجيئه غير مؤكد. وذهب المبرد والزجاج إلى لزوم نون التوكيد بعد إما، وزعما أن حذفها ضرورة. وأما بعد القسم فهو واجب عند البصريين بالشروط المذكورة، فلا بد عندهم من اللام والنون، وأجاز الكوفيون تعاقبهما، وقد ورد في الشعر. وقوله: وقَلَّ بعد ما ولم وبعد لا يعني: أن التوكيد بالنون قَلَّ بعد هذه الأربعة: الأول: "ما" والمراد بها الزائدة كقولهم: "بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ وبِجُهْدٍ ما تَبْلُغَنْ". وقوله: ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُهَا وقوله: قليلا به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ وجعل بعضهم في قوله: "ما يحمدنك وارث" نافية، وقال: هو نادر أو ضرورة يندرج في إطلاقه ما الكافة لرب، حكى سيبويه: "ربما يقولن ذلك". وأما قوله: رُبَّما أَوْفَيْتَ فِي عَلَم... تَرْفَعْنَ ثَوبِي شَمَالاتُ فبعيد جدا. فإن قلت: فقد ذكر في الكافية أن التوكيد بعد "ما" الزائدة شاع، وقال في شرحها: وإنما كثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة لشبهها بلازم القسم. قال سيبويه: ولا تقع بعد هذه الحروف "إلا" و"ما" زائدة، فأشبهت لام القسم عندهم. انتهى. فكيف قال هنا: قد قلَّت؟ قلَّته إنما هو بالنسبة إلى المواضع السابقة فلا ينافي كونه شائعا. فإن قلت: فهل هو مطرد؟ قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وقال بعضهم: لا يقاس على هذه الأمثلة المذكورة. فإن قلت: فهل يطرد بعد ربما؟ قلت: قال في الكافية: وشذ بعد ربما، وعلل بأن الفعل بعدها ماضي المعنى، ونص بعضهم على أن إلحاق النون بعدها ضرورة، وظاهر كلام سيبويه يشعر بأنه لا يختص بالضرورة، وهو ظاهر التسهيل ومثاله بعد "لم" قوله: يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَمَا.......................... وهو قليل، ونص سيبويه على أنه ضرورة؛ لأن الفعل بعد لم ماضي المعنى كما كان بعد ربما. قال في شرح الكافية: وهو بعد ربما أحسن. ومثاله بعد "لا" والمراد بها النافية قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ} وذلك لشبهها بالناهية. ومذهب الجمهور منع التوكيد بالنون بعد "لا" النافية إلا في الضرورة، وأجازه المصنف وابن جني. وتأول المانعون الآية فقيل: "لا" ناهية والجملة محكية بقول: "محذوف هو" صفة "فتنة" فتكون نظير: جاءوا بِمذْقٍ هَلْ رأيتَ الذِّئْبَ قَطْ وقيل: "لا" ناهية أيضا وتم الكلام عند قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصة عن "التعرض" للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، وأخرج النهي "عن" إسناده للفتنة، فهو نهي محول كما قالوا: "لا أريَنَّك هاهنا" وهذا تخريج المبرد والفراء والزجاج، وقال الأخفش الصغير: "لا تصيبنّ" هو على معنى الدعاء، وقيل: "لا تصيبن" جواب قسم، والجملة موجبة، والأصل "لتُصيبَنّ" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام، وهو ضعيف؛ لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل: جواب قسم، ولا: نافية ودخلت النون تشبيها بالموجب وكما دخلت في قوله: تالله لا يحمدن المرء مجتنبا وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، كقولك: "انزل عن الدابة لا تطرَحَنَّكَ" "ولا: نافية ومَن منع النون بعد دخول "لا" النافية منع "انزل عن الدابة لا تطرحنك"" ويؤيد ما ذهب إليه المصنف ورود النون بعد النافية، وقد فصل بينها وبين الفعل بمعموله كقولك: فلا ذا نعيم يَتْرُكَنْ لنَعِيمِهِ.......................... أو بمعمول مفسره كقوله: فلا الجارة الدنيا لها تَلْحَينَّهَا............................. فتوكيد "لا تصيبن" أحق بالجواز؛ لاتصاله بلا. فإن قلت: فهل يطرد التوكيد بعد "لا" مع الفصل؟ قلت: نص غير المصنف على أن ذلك ضرورة. وقوله: وغير إما من طوالِبِ الْجَزا يشمل "إن" مجردة وغيرها. ويشمل كلامه الشرط كقوله: مَنْ نَثْقَفَنْ منهم فليس بآيبٍ والجواب كقولك: ...................... متى يأتِك الخيرُ يَنْفَعَا ودخولها في غير شرط إما وجواب الشرط مطلقا ضرورة. قال سيبويه: بعد إنشاد -فمها تشأ منه فزارة تُعْطِكُم: وهو قليل في الشعر. قال في التسهيل: وقد تلحق جواب الشرط اختيارا. انتهى. ولم يخص لحاقها جواب الشرط بالضرورة. تنبيه: جاء توكيد المضارع في غير ما ذكر لضرورة الشعر، وهو غاية من الندور؛ لذلك لم يتعرض لذكره. ومنه قوله: لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنَّ إذا ما... قرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ ولما فرغ من ذكر ما تدخله النون "على اختلاف أحواله" أخذ في بيان ما ينشأ عن دخولها في التغيير فقال: وآخِرَ المؤكدِ افتحْ كابرُزَا أمر بفتح آخر الفعل المؤكد أمرا كان أو مضارعا نحو: "ابرزنّ" و"لا تبرزنّ" وشمل كلامه الصحيح كما مثل، والمعتل بالواو كاغزونّ، وبالياء نحو: ارمينّ، وبالألف نحو: اسعينّ -بعد قلب الألف ياء. فإن قلت: ومن أين يؤخذ من كلامه "قلب الألف"؟ قلت: مما سيذكر. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "آخر المؤكد" ومراده المجرد من الضمير البارز، علم ذلك مما سيأتي. الثاني: ذهب قوم إلى أن فتحة آخر المؤكد عارضة لالتقاء الساكنين، ونسبه الزجاج إلى سيبويه، وذهب قوم منهم المبرد وابن السراج إلى أنها فتحة بناء، ونسبه إلى سيبويه أيضا، وهو ظاهر مذهب المصنف، وقال في الغرة: إنه هو الصحيح. الثالث: لغة فزارة حذف الآخر إذا كان ياء تلي كسرة نحو: "ارمِنَّ يا زيد"، ومنه: ولا تُقاسِنّ بعدي الهم والجزَعَا ثم انتقل إلى رافع الضمير البارز فقال: واشْكلهُ قبل مضمر لين بما... جَانسَ من تَحرُّكٍ قد عُلِمَا فأمر بتحريك آخر المؤكد قبل المضمر اللين بحركة تجانسه، والمضمر اللين هو ألف الاثنين وواو الجمع وياء المخاطبة. فيفتح آخر المؤكد قبل الألف ويضم قبل الواو ويكسر قبل الياء. وأما حكم المضمر في نفسه، فإن كان ألفا أقرت لخفتها، وإن كان واو أو ياء حذف وتركت الحركة المجانسة دليلا عليهما، وإلى هذا أشار بقوله: والمضمرَ احذفنَّهُ إلا الألفْ فعلم أن الألف تقر نحو: "هل تضربان؟"، وأن الياء والواو يحذفان نحو: "هل تضربُن يا زيدون؟" و"هل تضرِبن يا هند؟". هذا حكم الصحيح، "وأما" المعتل بالواو والياء فتقول: اغزن وارمن، بحذف الواو وإبقاء الضمة دليلا عليها، واغزن وارمن، بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها كما فعلت في الصحيح. فإن قلت: ليس المعتل بالواو والياء كالصحيح؛ لأن المعتل بهما يحذف آخره، ويجعل الحركة المجانسة على ما قبله بخلاف الصحيح. قلت: حذف آخر المعتل إنما هو لإسناده إلى الواو والياء، لا لتوكيده، فهو مساوٍ للصحيح في التغيير الناشئ عن التوكيد؛ ولذلك لم يتعرض له الناظم. وأما المعتل بالألف فليس كالصحيح فيما ذكر؛ بل له حكم آخر نه عليه بقوله: وإنْ يكُن في آخرِ الفعل ألِفْ... فاجعله منه رافعا غيرَ اليَا والواو ياء كاسعيَنَّ سَعْيَا الضمير في "اجعله" للألف التي هي آخر الفعل، والضمير في منه للفعل وياء ثاني مفعولي اجعل أي: اجعل الألف التي هي آخر الفعل ياء إن كان رافعا غير الياء والواو، فيشمل ثلاثة أنواع: رافع الألف نحو: "اسعيان"، ورافع نون الإناث نحو: "اسعينان"، والمجرد من الضمير البارز نحو: "اسعينّ يا زيد". ثم ذكر حكم رافع الواو والياء فقال: واحذفه من رافع هاتين وفي أي: واحذف الألف من رافع الياء والواو وتبقى الفتحة قبلها دليلا عليها. ثم ذكر حكم الواو والياء بعد حذف الألف فقال: واو ويا شكْلٌ مُجانِسٌ قفِي يعني: أن الواو تضم والياء تكسر، وإنما احتيج إلى تحريكهما ولم يحذفا؛ لأن قبلها حركة غير مجانسة، أعني: فتحة الألف المحذوفة، فلو حذفا لم يبقَ ما يدل عليهما. ثم مثل فقال: نَحْوُ اخْشِينْ يا هِنْدُ بالكَسْرِ ويَا... قَوْمُ اخْشُونْ واضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا قوله: "واضمم" يعني الواو. تنبيهان: الأول: أجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها نحو: "اخْشَينَّ" فتقول: "اخشِنَّ يا هند"، وحكى الفراء أنها لغة طيئ. الثاني: فرض المصنف الكلام على الضمير، وحكم الألف والواو اللذين هما علامة كحكم الضمير، وهذا واضح. ولم تقع خفيفة بعد الألف... لكن شديدة............ قال في شرح الكافية: لو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة، هذا مذهب سيبويه وغيره من البصريين إلا يونس، فإنه يجوز أن يؤتى بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة، ويعضد قوله قراءة بعض القراء: "فدَمَّرَانِهم تدميرا" حكاها ابن جني. ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان: "وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ". ومذهب يونس كمذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف. انتهى. قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنهم يلحقونها ساكنة لا مكسورة وهو ظاهر كلام سيبويه. قال: وأما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها؛ إذ لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. انتهى. فإن قلت: إذا كان بعدها ما تدغم فيه، فهل يجوز لحاقها على مذهب البصريين لزوال المانع نحو: "اضربان نعمان"؟ قلت: قال الشيخ أبو حيان: نص بعضهم على المنع، ويمكن أن يقال: يجوز. انتهى، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك. وقوله: "وكسرها ألف" يعني: أن النون الشديدة إذا وقعت بعد الألف كسرت، وإن كانت في غير ذلك مفتوحة، وإنما كسروا مع الألف فرارا من اجتماع الأمثال. وألفًا زِدْ قبلها مُؤَكِّدا... فِعلا إلى نون الإناثِ أُسْنِدَا فتقول: "اضربنان" وإنما زيدت هذه الألف للفصل بين الأمثال. والخلاف في التوكيد بالخفيفة بعد الألف كالخلاف بعد ألف الاثنين. واحذِفْ خفيفةً لساكنٍ رَدِفْ... وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ يعني: أن الخفيفة تحذف وهي مرادة لأمرين: أحدهما: أن يليها ساكن نحو: "اضربَ الرجلَ" تريد: اضرِبَنْ. ومنه قوله: لا تُهينَ الفقير علَّك أَنْ... تركع يوما والدهرُ قد رفعَهْ لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف المد. وإذا وليها ساكن وهي بعد ألف على مذهب المجيز، فزعم يونس أنها تبدل همزة وتفتح فتقول: "اضرباء الغلام" و"اضربناء الغلام" قال سيبويه: وهذا لم تقله العرب، قال: والقياس "اضرب الغلام، واضربن الغلام" يعني: بحذف الألف والنون. والثاني: أن يوقف عليها بعد غير فتحة، يعني: بعد ضمة أو كسرة، فإنها تحذف إذ ذاك كما يحذف التنوين، ويرد ما حذف لأجلها، أعني: واو الضمير وياءه ونون الرفع أيضا وفي المعرب. وقد نبه على رد المحذوف بقوله: واردُدْ إذا حَذَفْتَهَا في الوقف ما... من أَجْلِهَا في الوَصْلِ كَان عُدِمَا يعني: أنه يرد إلى الفعل الموقوف عليه بعد حذفها ما حذف في الوصل لأجلها فتقول: "اضربن يا زيدون" و"اضربن يا هند" فإذا وقفت عليهما "قلت": اضربوا واضربي، برد واو الضمير ويائه، وتقول في "هل تضربن؟" و"هل تضربين؟" إذا وقفت "عليهما": هل تضربون؟ وهل تضربين؟ برد الواو والياء ونون الرفع؛ لزوال سبب الحذف. ثم نبه على حكمها بعد الفتحة فقال: وأبدِلَنْهَا بعد فَتْحٍ أَلِفَا... وقْفًا كما تَقُولُ في قِفَن قِفَا وذلك لشبهها بالتنوين، وقد ندر حذفها لغير ساكن ولا وقف كقوله: اضربَ عنكَ الهمومَ طارقَها وكقوله: كما قِيلَ قَبْلَ اليومِ خَالفَ تُذْكَرَا فإن قلت: ما ذكر من حذف الخفيفة "للوقف" بعد غير الفتحة ينافي معنى التوكيد الذي جاءت لأجله؛ إذ لا دليل عليها بعد الحذف. فينبغي أن يقال: إن التوكيد بها إنما يكون في الوصل خاصة كما أشار إليه بعضهم. قلت: يرده قلبها بعد الفتحة ألفا في الوقف، فعلم بذلك أن التوكيد بها لا يختص بالوصل. تنبيهات: الأول: اختلف في الفعل المعرب إذا أكد بالنون على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مبني، والثاني: أنه معرب، والثالث: التفصيل بين أن تباشر فيكون مبنيا، أو لا تباشر فيكون معربا، وهو الصحيح -كما تقدم أول الكتاب- ويدل على صحته رد نون الرفع عند حذف نون التوكيد في الوقف. فدل على أنها مقدرة في الوصل. والثاني: أجاز سيبويه إبدالها واوا أو ياء نحو: اخشَوُنْ واخْشَينْ. فتقول: اخشَوُوا واخْشَيي، وغيره يقول: "اخشوا واخشي". وقد نقل عنه إبدالها واوا بعد الضمة وياء بعد الكسرة مطلقا. قلت: وكلام سيبويه يدل على أن يونس إنما قال بذلك في المعتل، فإنه قال: وأما يونس فيقول: اخشَيي واخْشَوُوا، يزيد الواو والياء بدلا من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة. وقال الخليل: لا أرى ذلك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري - ثم قال: وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشي واخشيوا- إذا أراد الخفيفة أن يقول: هل تضربوا؟ بجعل الواو مكان الخفيفة. والثالث: إذا وقف على المؤكد بالخفيفة بعد الألف على مذهب يونس والكوفيين أبدلت ألفا، ونص سيبويه على ذلك عن يونس ومَنْ وافقه، ثم قيل: يجمع بين الألفين فيمد بمقدارهما، وقيل: بل ينبغي أن تحذف إحداهما ويقدر بقاء المبدلة من النون وحذف الأولى. وفي الغرة إذا وقفت على "اضربان" على مذهب يونس زدت ألفا عوض النون، فاجتمع ألفان، فهمزت الثانية فقلت: اضرباء. انتهى. وقياسه في اضرِبْنان اضربنَاءْ. الأصل في الاسم أن يكون "معربا" منصرفا، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف، فإن شابه الحرف بلا "معاند" بُني، وإن أشبه الفعل بكونه فرعا من وجهين من الوجوه الآتية مُنع الصرف. ولما أراد بيان ما يمنع الصرف بدأ بتعريف الصرف فقال: الصرفُ تنوينٌ أتَى مُبَيِّنَا... معنًى به يكونُ الاسمُ أمْكَنَا فقوله: "تنوين" جنس يشمل جميع أقسام التنوين، وقد تقدمت أول الكتاب، وقوله: "أتى مبنيا... إلخ" مُخرج لسائر أقسام التنوين غير المعبر عنه بالصرف والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن بقاؤه على أصالته، ومعنى بقاؤه على أصالته سلامته من شبه الحرف وشبه الفعل، فكأنه يقول: الصرف تنوين يبين كون الاسم باقيا على أصالته، أي: غير مشابه فعلا ولا حرفا، فإن هذا هو المعنى الذي يكون الاسم به أمكن؛ أي: زائد في التمكن. قيل: وهو أفعل تفضيل من التمكن، وهو شاذ. تنبيهات: الأول: مذهب المحققين أن الصرف هو التنوين المذكور؛ أعني: تنوين التمكين وحده، وقيل: "الصرف" هو الجر والتنوين معا. الثاني: تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور، وقد يطلق على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة صرفا. الثالث: فهم من تعريفه الصرف أن المنصرف ما يدخله التنوين المسمى بالصرف، وأن غير المنصرف ما لا يدخله ذلك التنوين. قال الشارح: وفي هذا التعريف مسامحة، فإن من جملة ما لا يدخله التنوين الدال على الأمكنية "باب" مسلمات قبل التسمية، وليس من المتمكن أن يقول: إنه غير مصروف؛ لما سنعرفه بعد. الرابع: اختلف في اشتقاق المنصرف، فقيل: "هو" من الصريف، وهو الصوت؛ لأن في آخره التنوين وهو صوت، وقيل: من الانصراف في جهات الحركات، "وقيل: من الانصراف" وهو الرجوع، كأنه انصرف عن شبه الفعل. وقال في شرح الكافية: سمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره. الخامس: جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا، منها خمسة لا تنصرف في تعريف ولا تنكير، وسبعة لا تنصرف في التعريف وتنصرف في التنكير، وستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى. ولما شرع في بيان موانع الصرف بدأ بما يمنع في الحالتين فقال: فألفُ التأنيثِ مُطلقا مَنَعْ... صَرْفَ الذي حواه كيفما وَقَعْ يعني: أن ألف التأنيث مطلقا -مقصورة كانت أو ممدودة- تمنع صرف ما هي فيه كيفما وقع من كونه نكرة أو معرفة، مفردا أو جمعا، اسما أو صفة. فالمقصورة نحو: ذكرى وسلمى ومرضى وسكرى، والممدودة نحو: صحراء وزكرياء وأشياء وحمراء. وإنما استقلت الألف بالمنع؛ لأنها قائمة مقام "شيئين"؛ وذلك لأنها لازمة لما هي فيه، بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدرة الانفصال، فهي المؤنث بالألف فرعية من جهة التأنيث، وفرعية من جهة لزوم علامته، بخلاف المؤنث بالتاء. فرعان: الأول: إذا سُمي بكلتا من قولك: "قامت كلتا جارتيك" منعت الصرف؛ لأن ألفها للتأنيث، وإن سميت بها من قولك: "رأيت كلتيهما أو كلتي المرأتين" على لغة كنانة صرفت؛ لأن ألفها إذ ذاك منقلبة وليست للتأنيث. الثاني: إذا رخمت حبلوى على لغة الاستقلال عند من أجازه وقلت: يا حبلى ثم سميت به صرفت، ولما ذلك في كلتا. ثم قال: وزائدا فَعْلانِ في وَصْفٍ سَلِمْ... مِنْ أن يُرَى بتاء تأنيثٍ خُتِمْ أي: ويمنع صرف الاسم أيضا زائدا فعلان، وهما الألف والنون في مثال فعلان صفة لا تختم بتاء التأنيث، وذلك يشمل نوعين: أحدهما: ما مؤنث فعلى نحو: سكران وسكرى، وهو متفق على منع صرفه. والآخر: ما لا مؤنث له، نحو: لحيان لكبيرة اللحية، وهذا فيه خلاف، والصحيح منع صرفه؛ لأنه وإن لم يكن له فعلى وجودا فله فعلى تقديرا؛ لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان فعلى أولى به من فعلانة؛ لأن باب سكران أوسع من باب ندمان، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر وآدر مع أنه لا مؤنث له. واحترز من فعلان الذي مؤنثه فعلانة؛ لأنه مصروف نحو: ندمان وندمانة. وقد جمع المصنف ما جاء على فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله: أجِز فعلى لفعلانه... إذا استثنيت حبلانه ودَخْنَانا وسَخْنَانا... وسَيْفانا وصَيْحانا وصَوْجَانا وعَلانا... وقَشْوانا ومصانا وموتانا وندمانا... وأبتعهن نصرانا واستدرك عليه لفظان، وهما: خَمْصَان لغة في خُمصان، وأليان في "نحو" "كبش أليان"، وقد ذيلت أبياته بقولي: وزد فيهن خمصانا... على لغة وأليانا ولا بد من شرح هذه الألفاظ، فالحبلان: العظيم البطن، وقيل: الممتلئ غيظا، والدخنان: اليوم المظلم، والسخنان: اليوم الحار، والسيفان: الرجل الطويل الممشوق، والصحيان: اليوم الذي لا غيم فيه، والصوجان: البعير اليابس الظهر، والعلان: الكثير النسيان، وقيل: الرجل الحقير، والقشوان: الدقيق الساقين، والمصان: اللئيم، والموتان: البليد الميت القلب، والندمان: المنادم، والنصران: واحد النصارى. فإن قلت: ولِمَ صرف ما مؤنثه فعلانة مع أن فيه ما في سكران من الزيادتين والوصف؟ قلت: لم يمتنع الصرف بزيادتي فعلان لذاتها بل لشبهها بزيادتي حمراء في وجوه منها: أنهما لا تلحقهما تاء التأنيث، وهذا مفقود فيما مؤنثه فعلانة؛ فلذلك صرف. تنبيهات: الأول: فهم من قوله: "زائدا فعلان" أنهما لا يمنعان في غيره من الأوزان كفعلان -بضم الفاء- نحو: خُمصان؛ لعدم شبههما في غيره بألفي التأنيث. الثاني: لغة بني أسد صرف سكران وبابه؛ لأنهم يقولون في مؤنثه فعلانة، فهو عندهم كندمان. الثالث: ما تقدم من أن المنع بزيادتي فعلان لشبههما بألفي التأنيث في حمراء، هذا مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنه امتنع؛ لكون النون بعد الألف مبدلة من ألف التأنيث، والقولان عن أبي علي. ومذهب الكوفين أنهما منعا لكونهما زائدتين لا تقبلان الهاء، لا للتشبيه بألفي التأنيث. ووصفٌ أصلي ووَزْنُ أَفْعَلا... ممنوعُ تأنيثٍ بتا كأَشْهَلا أي: ويمنع الصرف أيضا اجتماع الوصف الأصلي ووزن أفعل بشرط أن يمنع من التأنيث بالتاء، وذلك يشمل ثلاثة أنواع: أحدها: ما مؤنثه فعلاء نحو: أشهل وشهلاء. والثاني: ما مؤنثة فعلى نحو: أفضل وفضلى. والثالث: ما لا مؤنثة له نحو: أكمر -العظيم الكمرة. فهذه الأنواع الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن أفعل، فإن وزن الفعل به أولى؛ لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، فكان لذلك أصلا في الفعل؛ لأن ما زيادته لمعنى أولى مما زيادته لغير معنى، فإن أنث بالتاء انصرف، نحو أرمل بمعنى فقير، فإن مؤنثه أرملة خلافا للأخفش فإنه يمنع صرف أرمل بمعنى فقير، "فإنه يجريه" مجرى أحمر؛ لأنه صفة وعلى وزنه، وأما قولهم: "عام أرمل" فغير منصرف؛ لأن يعقوب حكى فيه "سنة رملاء" واحترز بالأصلي عن العارض فإنه "لا يعتد به" كما سيأتي. تنبيهان: الأول: مثل الشارح ما تلحقه التاء بأرمل وأباتر -وهو القاطع لرحمه- وأدابر -وهو الذي لا يقبل نصحا- فإن مؤنثهما أباترة وأدابرة، أما أرمل فواضح، وأما أباتر وأدابر فلا يحتاج هنا إلى ذكرهما؛ إذ لم يشملهما كلام الناظم فإنه علق "المنع" على وزن أفعل، وإنما ذكرهما في شرح الكافية؛ لأنه علق المنع بوزن الفعل ولم يخصه بأفعل؛ ولذلك احترز أيضا من يَعْمَل -الجمل السريع. الثاني: الأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى، لا على وزن أفعل ليشمل نحو: أحيمر وأفيضل من المصغر، فإنه لا ينصرف لكونه على وزن الفعل نحو: أبطر، وإن لم يكن حال التصغير على وزن أفعل. ثم صرح بمفهوم قوله أصلي فقال: وألغينَّ عارض الوصفيَّهْ... كأربع وعارض الإسميَّهْ فالأقسام ثلاثة: فالأول: ما وصفيته أصلية باقية نحو: أشهل، ولا إشكال في منعه. والثاني: ما وصفيته عارضة نحو: "مررت برجل أرنب" أي: ذليل "وبنسوة أربع". فهذا يصرف إلغاء للوصفية العارضة، وأربع أحق بالصرف؛ لأن فيه تاء التأنيث أيضا. والثالث: ما وصفيته اصلية فغلبت عليه الاسمية، فهذا يمنع إلغاء للاسمية العارضة واعتبارا للأصل، وقد مثل بقوله: فالأدهم القيد لكونه وُضع... في الأصل وصفا انصرافُه مُنِع أدهم: للقيد، وأسود: للحية، وأرقم: لحية فيها نقط كالرقم. فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظرا إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها كما لم تصرف أبطح وأبرق وأجرع، وأن العرب لم تختلف في منع هذه الستة من الصرف، وإن استعملت استعمال الأسماء، وحكى غيره أن من العرب من يصرف أبطح وأبرق وأجرع ملاحظة للاسمية، وقد نبه على ذلك في التسهيل وذكر ابن جني أن هذه الأسماء كلها قد تصرف، ثم قال: وأجدل وأخيل وأفعى... مصروفة وقد ينلن المنعا أكثر العرب تصرف أجدلا وهو الصقر، وأخيلا وهو طائر عليه نقط كالخيلان، وأما أفعى فلا مادة له في الاشتقاق، لكن ذكره يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق. تنبيه: اختلف في وزن أفعى فقيل: أفعل، فالهمزة زائدة لقولهم مفعاة وألفها عن واو لقولهم أفعوان، وقال الفارسي: هو مقلوب وأصله أيفع هو من يافع، وقال أبو الفتح: مقلوب وأصله أفوع وهو من فوعة السم. ومَنعُ عدلٍ مع وصف مُعْتَبَرْ... في لفظ مثنى وثُلاث وأُخَره العدل صرف لفظ أولي بالمسمى إلى لفظ آخر، وهو يمنع الصرف مع الوصف في موضعين: أحدهما: المعدول في العدد إلى مفعل نحو مثنى، أو فعال نحو ثلاث. والثاني: أخر مقابل آخرين. أما المعدول في العدد في مفعل أو فعال فالمانع له عند سيبويه والجمهور العدل والوصف. أما العدل فعن أسماء العدد، فأحاد وموحد معدولان عن واحد واحد ومثنى وثُناء معدولان عن اثنين اثنين، وكذا سائرها، وأما الوصف. فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات، إما نعتا نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ} وإما حالا نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ} وإما خبرا نحو: "صلاة الليل مثنى مثنى"، ولا تدخلها أل، قال في الارتشاف: وإضافتها قليلة، وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى. أما في اللفظ فظاهر، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها فصار فيها عدلان. وأما "أخر" المعدول وهو جمع أخرى أنثى آخَر بفتح الخاء، فالمانع له أيضا العدل والوصف. أما الوصف فظاهر، وأما العدل فقال أكثر النحويين: إنه معدول عن الألف واللام؛ لأنه من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يُجمع إلا مقرونا بأل كالصغر والكبر. والتحقيق: أنه معدول عن أخر مرادا به جمع المؤنث؛ لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فُعَل لتجرده من أل، كما يستغنى بأكبر عن كبر في نحو: "رأيتُها مع نساء أكبر منها". تنبيه: قد يكون "أخر" جمع أخرى بمعنى آخرة فيصرف؛ لانتفاء العدل. والفرق بين أخرى أنثى آخر، وأخرى بمعنى آخرة أن تلك لا تدل على الانتهاء، ويعطف عليها مثلها من صنف واحد "نحو: جاءت امرأة أخرى وأخرى" وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يُعطف عليها مثلها من جنس واحد، وهي المقابلة "الأولى" في قوله تعالى: {قَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} وكان ينبغي أن يحترز عنها كما احترز في الكافية والتسهيل بقوله مقابل آخرين. ووزنُ مَثْنَى وثُلاثَ كهُما... مِن واحدٍ لأربع فليُعْلَمَا يعني: أن ما وازن مثنى وثلاث من المعدول من واحد إلى أربع، فهو مثلها في امتناعه من الصرف للعدل والوصف، فهذه ثمانية ألفاظ متفق على سماعها وهي: أحاد وموحد وثناه ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع؛ ولذلك اقتصر عليها، قال في شرح الكافية: وروي عن بعض العرب: "مخمس وعشار ومعشر". ولم يرد غير ذلك، وظاهر كلامه في التسهيل أنه قد سمع خماس أيضا، واختلف فيما لم يسمع على ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه يقاس على ما سمع وهو مذهب الكوفيين والزجاج، ووافقهم الناظم في بعض نسخ التسهيل، وخالفهم في بعضها. والثاني: أنه لا يقاس عليه، بل يقتصر على المسموع، وهو مذهب جمهور البصريين. والثالث: أنه لا يقاس على فُعال لكثرته، لا على مَفْعَل. قال أبو حيان: والصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة، وحكى البناءين أبو عمرو الشيباني. وحكى أبو حاتم وابن السكيت من أحاد إلى عُشار، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. تنبيه: أجاز الفراء صرف هذه الألفاظ مذهوبا بها مذهب الأسماء قال: تقول العرب: "ادخلوا ثُلاث ثُلاث، وثُلاثا ثُلاثا" والوجه ألا نجري، انتهى، ومنع ذلك غيره. وكُنْ لجمْعٍ مُشْبِه مَفاعِلا... أو المفاعيل بمنعٍ كَافِلا الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل هو الجمع الذي لا نظير له في الآحاد وهو كألف التأنيث في أنه يستقل بمنع الصرف وحده لقيامه مقام شيئين، فإن فيه فرعية من جهة الجمع وفرعية من جهة عدم النظير. ويعني بالشبه أن يكون أوله مفتوحا وثالثه ألفا بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، وما يلي الألف مكسور لفظا أو تقديرا، ولا يشترط أن يكون أوله ميما، بل يدخل فيه ما أوله ميم نحو: مساجد ومصابيح، وما أوله غير ميم نحو: دراهم ودنانير؛ لأن المعتبر موافقته لمفاعل ومفاعيل في الهيئة لا في الوزن. وفهم من تقييد أوسط الثلاثة بأنه ساكن أن نحو صياقلة منصرف لتحركه، وإنما كان منصرفا لأن له في الآحاد نظيرا، وذلك طواغية وكراهية ونحوهما. وفهم من تقييد "تالي" الألف بأن يكون مكسورا أن ما ليس كذلك منصرف نحو عبال -جمع عبالة- على حد ثمرة وثمر؛ لأن الساكن الذي يلي الألف في عبال لاحظ له في الحركة، والعبالة: الثقل، يقال ألقى عليه عبالته أي: ثقله، هذا مذهب سيبويه والجمهور، أعني: اشتراط حركة ما بعد الألف. قال في الارتشاف: وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك، فأجاز في تكسير هبيّ أن تقول: هبايّ -بالإدغام- قال: وأصل الياء عندي السكون ولولا ذلك لأظهرتها، انتهى، وظهر من ذكر التقييد أن نحو دواب غير منصرف؛ لأن أصله دوابب، فهو على مثال مفاعل تقديرا. وذا اعتلالٍ منه كالجواري... رفعا وجرا أجرِهِ كَسَارِي ما كان من الجمع الموازن مفاعل معتلا فله حالتان: إحداهما: أن يكون آخره ياء قبلها كسرة نحو جوار. والأخرى: أن تقلب ياؤه ألفا نحو عذارى. فإن كان آخره ياء قبلها كسرها أجري في رفعه وجره مجرى سارٍ ونحوه من المنقوص "المنصرف" فتقول: "هؤلاء جوارٍ" و"مررت بجوارٍ" بالتنوين وحذف الياء، كما تقول: "هو سارٍ" و"مررت بسارٍ". وأما في نصبه فيجري مجرى موازنة الصحيح فتقول: "رأيت جواري" -بفتح آخره من غير تنوين- كما تقول: "رأيت مساجد"، فإن قلبت ياؤه ألفا قدر إعرابه ولم ينون بحال، ولا خلاف في ذلك. فإن قلت: لم ينبه في النظم على هذا، بل في قوله: "وذا اعتلال". قلت: قيد بقوله: "كالجواري". تنبيهات: الأول: اختلف في تنوين جوار ونحوه رفعا وجرا، فذهب سيبويه إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة، لا تنوين صرف، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه تنوين عوض عن الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وذهب الأخفش إلى أنه تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفا زالت صيغة مفاعل، وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه. وأما جعله عوضا عن الحركة فضعيف؛ لأنه لو كان عوضا عن الحركة لكان ذو الألف أولى به من ذي الياء؛ لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد ولألحق مع الألف واللام كما أحلق معهما تنوين الترنم. وأما كونه للصرف فضعيف؛ لأن الياء حذفت تخفيفا وثبوتها منوي؛ ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها، ولو لم تكن منوية لجعل ما قبلها حرف إعراب. فإن قلت: إذا جعل عوضا عن الياء، فما سبب حذفها أولا؟ قلت: قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفا ويكتفى بالكسرة التي قبلها، وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل، التزموا فيه من الحذف ما كان جائزا في الأدنى ثقلا؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر؛ إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم. انتهى، وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنوينا مقدرا، بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود، وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف التنوين، وهو بعيد؛ لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير، ولا يحسن ارتكاب مثله. انتهى. قلت: المشهور عن المبرد أن التنوين عنده عوض من الحركة كما نقل في شرح الكافية. الثاني: ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الجمع في رفعه وجره متفق عليه، نص على ذلك المصنف وغيره، وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون، ولا تحذف ياؤه، وأنه يجر بفتحة ظاهرة وَهْمٌ، وإنما قالوا ذلك في العلم، وسيأتي بيانه. الثالث: إذ قلت: "مررت بجوار" فعلامة جره فتحة مقدرة على الياء؛ لأن غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة؛ لأنها نابت عن الكسرة، فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل. الرابع: اعلم أن باب جوار وإن جرى مجرى سار في الجر والرفع فهو يخالفه من وجهين؛ أحدهما: أن جره بفتحة مقدرة وجر سار بكسرة مقدرة. والآخر: أن تنوين جوار تنوين عوض، وتنوين سار تنوين صرف، وتقدم بيانه. فإن قلت: قوله: "أجره كساري" يوهم أن علامة جرهما واحد، وأن تنوينهما واحد. قلت: إنما أراد: "أجره كساري" في اللفظ فقط، وإن كان التقدير مختلفا. ولسراويلَ بهذا الجمع... شَبَهٌ اقتضى عُمُومَ المنْعِ اعلم أن سراويل اسم مفرد أعجمي جاء على وزن مفاعيل، فمنع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتبرة؛ وذلك أن بناء مفاعل ومفاعيل لا يكونان في كلام العرب إلا لجمع أو منقول عن جمع، فحق ما وازنهما أن يمنع الصرف وإن فقدت منه "الجمعية" ولكن بثلاثة شروط: الأول: ألا تكون ألفه عوضا عن إحدى ياءي النسب تحقيقا نحو: يمان وشآم، فإن أصلهما يمني وشامي، فحذفت إحدى الياءين وعوض منها الألف، أو تقديرا نحو: تهام وثمان، فإن ألفهما موجودة قبل، فكأنهم نسبوا إلى فَعَل أو فَعْل ثم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا الألف. فهذه الألفاظ مصروفة وإن كانت على مثال مفاعيل؛ لأن ألفها عوض ففارقت الجمع بذلك لأن ألفه لا تكون عوضا. الثاني: ألا تكون كسرة ما يلي الألف عارضة نحو: توان وتدان؛ لأن وزنهما في الأصل تفاعل -بالضم- فجعل مكان الضم كسرة لتصح الياء. فهذا أيضا منصرف؛ لأنه خالف الجمع بعروض الكسرة. الثالث: ألا يكون "بعد الكسرة" ياء مشددة عارضة نحو حواري -وهو الناصر- وظفاري فإن ياء النسب في ذلك مقدرة الانفصال فخالف بذلك الجمع؛ لأن ما بعد ألفه غير مقدر الانفصال، وأما بخاتي -جمع بختي- فغير منصرف؛ لأن ما بعد الألف ليس بعارض، ولو نسب إلى بخاتي لا تصرف لعروض ياءي النسب. وضابط ذلك أن الياء إن تقدم وجودها على الألف وجب المنع وإلا صرف سواء سبق وجود الألف كظفاري، أو كانا غير منفكين كحواري. إذا تقدر هذا فاعلم أن سراويل اسم "مفرد" أعجمي جاء على مثال مفاعيل فمنع الصرف؛ لوجود صيغة الجمع فيه؛ ولهذا أشار بقوله: "وسراويل بهذا الجمع شبه" ونبه بقوله: "اقتضى عموم المنع" إلى أنه ممنوع من الصرف وجها واحدا خلافا لمن زعم أن فيه وجهين: المنع والصرف. وقال المصنف: إن صرفه لم يثبت عن العرب. قلت: نقل الأخفش أن بعض العرب يصرفه في النكرة إذا جعل اسما مفردا. تنبيهات: الأول: ذهب بعضهم إلى أن سراويل عربي، وأنه جمع سروالة في التقدير، ثم أطلق اسم جنس على هذه الآلة المفردة، ورد بأن سروالة لم يسمع. وأما قوله: عليه من اللؤم سروالةٌ... فليس يرق لمستعطف فشاذ، لا حجة فيه. قلت: ذكر الأخفش أنه سمع من العرب سروالة، وقال أبو حاتم: من العرب من يقول: سروال، والذي يرد به هذا القول وجهان: أحدهما: أن سروالة لغة في سراويل؛ لأنها بمعناه وليس جمعا لها كما ذكر في شرح الكافية. والآخر: أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس، وإنما يثبت في الأعلام. الثاني: سراويل مؤنث فلو سُمي به ثم صغر امتنع صرفه للعلمية والتأنيث وإن زالت صيغة الجمع بالتصغير. الثالث: شذ منع صرف ثمان تشبيها له بجوار في قوله: يَحْدُو ثماني مُولَعا بلقاحها........................... والمعروف فيه الصرف، وقيل هما لغتان. وإِنْ به سُمِّيَ أو بما لَحِقْ... به فالانصرافُ منعُهُ يَحِقُّ يعني: أن ما سُمي به من الجمع الذي على مفاعل أو مفاعيل أو بما ألحق به كسراويل فحقه أن يمنع من الصرف، سواء كان منقولا عن جمع محقق كمساجد -اسم رجل- و مقدر كشراحيل. قال الشارح: والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول. انتهى. قلت: مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله، ومذهب المبرد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه؛ لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعا على الصحيح. والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا... تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نحو مَعْدِيكَرِبا قد تقدم أن ما لا ينصرف على ضربين: أحدهما: ما لا ينصرف لا في تنكير ولا تعريف. والثاني: ما لا ينصرف في التعريف وينصرف في التنكير. وقد فرغ من الكلام عن الضرب الأول، فشرع في الثاني وهو سبعة أقسام: الأول: المركب تركيب المزج، والمراد به جعل الاسمين اسما واحدا لا "بإضافة ولا بإسناد"، بل ينزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث، وهو نوعان: النوع الأول: ما ختم بويه فهو مبني على الأشهر. فإن قلت: فلِمَ لَمْ يحترز عنه هنا؟ قلت: عن ذلك أجوبة: أحدها: أن قوله: "معديكربا" يقيد إطلاقه. والثاني: أشار إلى أنه مبني في باب العلم فاكتفى بذلك. والثالث: أن يكون أطلق ليدخل في إطلاقه ما ختم بويه على لغة من أعربه، ولا يرد على لغة من بناه؛ لأن باب الصرف إنما وضع للمعربات، وقد تقدم ذكره في العلم. والنوع الثاني: ما ختم بغير ويه، فهذا فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وهو الأصح أن يعرب إعراب ما لا ينصرف، ويبني صدره على الفتح، نحو: "بعلبك" إلا أن يكون ياء نحو: "معدي كرب" فإنها تسكن، قيل: أو نونا نحو: "باذنجانة" وإنما بني على الفتح لتنزل عجزه منزلة تاء التأنيث، وإنما لم تفتح الياء وإن كانت تفتح قبل تاء التأنيث؛ لأن التركيب مزيد ثقل فخص بمزيد خفة. والوجه الثاني: أن يضاف صدره إلى عجزه فيعرب صدره بما تقتضيه العوامل، ويعرب عجزه بالجر للإضافة ويجعل العجز على هذه اللغة كالمستقل فإن كان فيه مع العلمية سبب يؤثر منع الصرف كهرمز من رام هرمز؛ فإن فيه العجمة وإلا صرف نحو: موت من حضرموت. فأما كرب من "معدي كرب" فمصروف في اللغة المشهورة، وبعض العرب لا يصرفه بجعله مؤنثا. تنبيه: إذا كان آخر الصدر ياء نحو: "معدي كرب" وأضيف صدره إلى عجزه على هذه اللغة استصحب سكون يائه في كل الأحوال الثلاثة. قال المصنف: لأن من العرب من يسكن هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيها بالألف، فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزا في الإفراد. انتهى. وقال بعضهم: تفتح في النصب وتسكن في الرفع والجر. والوجه الثالث: أن يبني صدره وعجزه على الفتح ما لم يعتل الأول فيسكن تشبيها بخمسة عشر، وأنكر بعضهم هذه اللغة، وقد نقلها الإثبات. تنبيهات: الأول: احترز بقوله: "تركيب مزج" من تركيب الإضافة وتركيب الإسناد، وقد تقدم حملها في العلم. وأما تركيب العدد نحو: "خمسة عشر" فمتحتم البناء عن البصريين، وأجاز "فيه" الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه، وسيأتي في بابه، فإن سمي به ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تقره على حاله. والثاني: أن تعربه إعراب ما لا ينصرف. والثالث: أن يضاف صدره إلى عجزه. وأما تركيب الأحوال والظروف نحو: "شغر بغر، وبيت بيت، وصباح مساء". إذا سمي به أضيف صدره إلى عجزه وزال التركيب، هذا رأي سيبويه وقيل: يجوز فيه التركيب والبناء. كَذاكَ حَاوِي زَائِدَيْ فَعْلانا... كغَطَفَان وكأَصْبَهَانَا يعني: أن زائدي فعلان يمنعان "الصرف" مع العلمية في وزن فعلان وفي غيره نحو: حمدان وعثمان وعمران وغطفان وأصبهان، وقد نبه على التعميم بالتمثيل. تنبيهات: الأول: قد يكون في النون اعتباران، فإن قدرت النون زائدة منع الصرف، وإن قدرت أصلية صرف نحو: "حسان" إن جعل من الحس امتنع أو من الحسن انصرف. وشيطان: إن جعل من شاط امتنع، أو من شطن انصرف. ولو سميت برمان فذهب الخليل وسيبويه إلى منع الصرف؛ لكثرة زيادة النون في نحو ذلك، وذهب الأخفش إلى صرفه؛ لأن فعالا في النبات أكثر، ويؤيده قول بعضهم: "أرض مرمنة"، ويأتي الكلام على زيادة النون في التصريف إن شاء الله تعالى. الثاني: إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف، إعطاء للبدل حكم المبدل، مثال ذلك "أصيلال" فإن أصله أصيلان، فلو سمي به منع الصرف ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف، بعكس أصيلان، ومثال ذلك "حنان" في حناء، أبدلت همزته نونا. والثالث: ذهب الفراء إلى منع الصرف للعلمية وزيادة ألف قبل نون أصلية، تشبيها لها بالزائدة، نحو: "سنان" و"بيان"، والصحيح صرف ذلك. كَذَا مؤنَّثٌ بهاء مطلقا... وشَرْطُ مَنْعِ العار كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاثِ أو كَجُور أو سَقَرْ... أو زَيْدٍ اسم امرأة لا اسمَ ذَكَرْ من موانع الصرف التأنيث، وهو ضربان: لفظي ومعنوي: فاللفظي: إن كان بالألف فقد تقدم حكمه، وإن كان بالتاء منع مع العلمية مطلقا نحو: عائشة وطلحة وهبة. والمعنوي: أيضا يمنع مع العلمية ولكن يشترط في تحتم منعه أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف نحو زينب؛ لأن الرابع منه ينزل منزلة هاء التأنيث أو متحرك الوسط نحو سقر؛ لأن الحركة قامت مقام الرابع خلافا لابن الأنباري، فإنه جعله ذا وجهين، وما ذكره في البسيط من أن سقر ممنوع الصرف باتفاق، ليس كذلك، أو يكون أعجميا نحو جور -اسم بلد- لأن العجمة لما انضمت إلى التانيث والعلمية تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف، وإنما أثرت تحتم المنع، وحكى بعضهم فيه الخلاف فيجعل جور مثل هند في جواز الوجهين، أو منقولا من مذكر نحو زيد -إذا سمي به امرأة- لأنه حصل بنقله إلى التأنيث نقل عادل خفة اللفظ. هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب عيسى بن عمر وأبو زيد والجرمي والمبرد إلى أنه ذو وجهين. واختلف النقل عن يونس. ثم نبه على أن الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجميا ولا منقولا عن مذكر يجوز فيه المنع والصرف بقوله: وجهان في العادم تذكيرا سَبَقْ... وعُجمة كهندَ والمنع أحق فمن صرفه نظر إلى خفة السكون، ومن لم يصرفه نظر إلى وجود السببين ولم يعتبر الخفة. وقد صرح بأن منعه أحق من صرفه وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو علي: الصرف أفصح، قال ابن هشام: وهو غلط جلي، وذهب الزجاج -قيل: والأخفش- إلى أنه متحتم المنع. قال الزجاج: لأن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف، وذهب الفراء إلى أن ما كان اسم بلد لا يجوز صرفه نحو: "فيد"؛ لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها، فلم يكثر في الكلام بخلاف هند. تنبيهات: الأول: لا فرق في ذلك بين ما سكونه أصلي كهند، أو عارض بعد التسمية كفخذ أو الإعلال كدار، ففي ذلك وجهان، أجودهما المنع. الثاني: إذا كان المؤنث ثنائيا نحو يد جاز فيه الوجان ذكرهما سيبويه. وظاهر التسهيل أن المنع أجود كما في هند، وقول صاحب البسيط في يد صرفت بلا خلاف غير صحيح. الثالث: إذا صغر نحو هند تحتم منعه لظهور التاء نحو هنيدة، فإن صغر بغير تاء نحو حريب -وهي ألفاظ مسموعة- انصرف. الرابع: إذا سُمي مذكر بمؤنث، فإن كان ثلاثيا صرف مطلقا خلافا للفراء وثعلب؛ إذ ذهبا إلى أنه لا ينصرف سواء تحرك وسطه نحو فخذ أم سكن نحو حرب. ولابن خروف في متحرك الوسط - وإن كان زائدا على الثلاثة لفظا نحو سعاد، أو تقديرا كلفظ نحو جيل مخفف جيأل بالنقل منع من الصرف. فإن قلت: مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث تاء، والهاء عندهم بدل التاء في الوقف فلم عدل عن التعبير بالياء في قوله: "كذا مؤنث بهاء مطلقا"؟ قلت: كأن عدل إلى الهاء احترازا من تاء بنت وأخت، فإنهما تاء إلحاق بنيت الكلمة عليها، فليس حكمها حكم الهاء. وقد نص سيبويه على أن بنتا وأختا إذا سُمي بهما رجل مصروفان، وقياس هذا أنهما إذا سُمي بهما امرأة يجوز فيهما الوجهان كهند، وقد ذهب قوم إلى أن تاء بنت وأخت للتأنيث فمنعوهما الصرف في المعرفة، ونقله بعضهم عن الفراء. فإن قلت: قد تقرر أن المؤنث بلا علامة ظاهرة فيه تاء مقدرة؛ ولذلك ترد في التصغير، فيقال: هنيدة، فكيف سماه عاريا في قوله: "وشرط منع العار"؟ قلت: يعني: العاري من العلامة لفظا، وهو واضح. والعَجَميُّ الوضع والتعريف مع... زيد على الثلاث صرفه امتنع من موانع الصرف العجمة مع العلمية، فإذا كان الاسم من أوضاع العجم وهو علم امتنع صرفه بشرطين: أحدهما: أن يكون عجمي التعريف أيضا أعني: بكونه علما في لغتهم. الثاني: أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف، وذلك نحو: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، واحترز بالشرط الأول عن نوعين: أحدهما: ما نقل من لسانهم وهو نكرة نحو لجام فلا أثر للعجمة فيه؛ لأن عجمته جنسية فألحق بالأمثلة العربية. والآخر: ما كان في لسان العجم نكرة ثم نقل في أول أحواله علما نحو بندار. وهذا فيه خلاف. وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى أنه لا ينصرف؛ لأنهم لا يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وذهب قوم إلى أنه منصرف؛ لأنهم يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وإليه ذهب المصنف، وهو ظاهر كلام سيبويه. واحترز بالشرط الثاني عن الثلاثي، فإنه ينصرف؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلا تؤثر في الثلاثي بخلاف التأنيث. قال في شرح الكافية: قولا واحدا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة. قال: وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا السيرافي وابن برهان وابن خروف، ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا. انتهى. قلت: نقل عن عيسى بن عمرو وتبعه ابن قتيبة والجرجاني جواز المنع والصرف في الثلاثي الساكن الوسط. ويتحصل في الثلاثي ثلاثة أقوال: أحدها: أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقا، وهو الصحيح. الثاني: ما تحرك وسطه نحو "لمك" -اسم رجل- لا ينصرف، وما سكن وسطه فيه وجهان، وقد تقدم القائلون به. والثالث: ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه منصرف، وبه جزم ابن الحاجب. تنبيهات: الأول: قوله: "زيد" "هو" مصدر زاد "يزيد" زيدا وزيادة وزيدانا. الثاني: المراد بالعجمي ما نقل من لسان غير العرب، ولا يختص بلغة الفرس. الثالث: إذا كان الأعجمي رباعيا وأحد حروفه ياء التصغير انصرف ولم يعتد بالياء. الرابع: تعرف عجمة الاسم بوجوه: أحدها: نقل الأئمة. والثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو إبراهيم. والثالث: أن يعرى من حروف الذلاقة، وهو خماسي أو رباعي، فإن كان في الرباعي السين، فقد يكون عربيا نحو "عسجد" وهو قليل، وحروف الذلاقة ستة يجمعها: "مر بنفل". والرابع: أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو: "قج وجق" والصاد والجيم نحو: "صلوجان"، والكاف والجيم نحو: "أسكرجة"، "وتبعية الراء للنون" أول كلمة نحو: "نرجس" والزاي بعد الدال نحو: "مهندز". كذاك ذو وزن يخص الفِعْلا... أو غَالِبٍ كأحمد ويَعْلَى مما يمنع الصرف مع العلمية وزن الفعل، بشرط أن يكون مختصا به، أو غالبا فيه. والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعل إلا في نادر أو علم أو أعجمي، كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعة أو همزة وصل. وما سلم من المصوغ للمفعول وبناء فعل وما صيغ للأمر من غير فاعل والثلاثي، وما سوى أفعل ونفعل وتفعل ويفعل من أوزان المضارع. واحترز من النادر نحو: "دئل" لدويبة، وينجلب لخرزة، وتبشر لطائر. وبالعلم نحو: "خضم" لرجل و"شمر" لفرس، وبالعجمي من نحو: "بقم، وإستبرق"، فلا يمنع وجدان هذه اختصاص أوزانها بالفعل؛ لأن النادر والعجمي لا حكم لهما، والعلم منقول من فعل، فالاختصاص باقٍ. والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى، إما لكثرته فيه كإثمد وإصبع وأبلم. فإن أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، إما لأن زيادته تدل على معنى في الفعل ولا تدل على معنى في الاسم كأفكل وأكلب، فإن "نظائرهما" تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة من أفعل وأفعل تدل على معنى في الفعل ولا تدل على معنى في الاسم، فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال أصلا للمفتتح بأحدهما من الأسماء. وقد يجتمع الأمران في نحو: "يرمغ، وتنضب"، فإنهما كإثمد في كونه على وزن يكثر في الأفعال ويقل في الأسماء، وكأفكل في كونه مفتتحا بما يدل على وزن يكثر في الفعل دون الاسم. تنبيهات: الأول: قد اتضح بما ذكر أن التعبير عن هذا النوع بأن يقال: "أو ما أصله الفعل" كما فعل في الكافية. أو ما هو به أولى كما فعل في التسهيل. أجود من التعبير عنه بالغالب. الثاني: قد فهم من قوله: "يخص الفعل أو غالب" أن الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو: ضرب ودحرج. خلافا لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرفه متمسكا بقوله: أنا ابنُ جَلا وطَلَّاع الثَّنَايَا.......................... ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل، فيكون محكيا لأنه منقول من جملة، أو يكون حذف الموصوف وأقام صفته مقامه. أي: أنا ابن رجل جلا. وقد ذهب بعضهم إلى أن الفعل قد يحكى مسمى به، وإن كان غير مسند إلى ضمير متمسكا بهذا البيت. ونقل عن الفراء ما يقرب من مذهب عيسى، قال: الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تجره في المعرفة نحو رجل اسمه "ضرب" فإن هذا اللفظ وإن كان اسما للعسل الأبيض هو الأشهر في الفعل. فإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو رجل مسمى بحجر؛ لأنه يكون فعلا تقول: "حجر عليه القاضي" ولكنه أشهر في الاسم. انتهى. الثالث: يشرتط في الوزن المانع للصرف شرطان: أحدهما: أن يكون لازما. والثاني: ألا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم. فخرج بالأول نحو امرئ، فإنه لو سمي به انصرف، وإن كان في النصب شبيها بالأمر من علم. وفي الجر شبيها بالأمر من ضرب، وفي الرفع شبيها بالأمر من خرج؛ لأنه خالف الأفعال بكون عينه لا تلزم حركة واحدة، فلم تعتبر فيه الموازنة. وخرج بالثاني نحو: "رد، وقيل" فإن أصلهما رُدِدَ وقُوِل، ولكن الإدغام والإعلال أخرجاهما إلى مشابهة يرد وقيل، فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي. وشمل قولنا: "إلى مثال هو للاسم" قسمين: أحدهما: ما خرج إلى مثال غير نادر، ولا إشكال في صرفه نحو: "رُدَّ، وقيل". والآخر: ما خرج إلى مثال نادر نحو "انْطلقَ" إذا سكنت لامه، فإنه خرج إلى مثال إنْقَحْل وهو نادر، وهذا فيه خلاف، وجوز فيه ابن خروف الصرف والمنع. وقد فهم من ذلك أن ما دخله إعلال ولم يخرجه إلى وزن الاسم نحو يزيد امتنع صرفه. الرابع: اختلف في سكون التخفيف العارض بعد "التسمية" نحو ضُرْبَ، فمذهب سيبويه أنه كالسكون اللازم فينصرف، وهو اختيار المصنف، وذهب المازني والمبرد ومن وافقهما إلى أنه يمنع الصرف، فلو خفف قبل التسمية انصرف قولا واحدا. وما يصير علما من ذي أَلِفْ... زِيدَتْ لإلحاق فليس يَنْصَرِفْ ألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية؛ لشبهها بألف التأنيث من وجهين لا يوجدان في ألف الإلحاق الممدودة، فلذلك لم تمنع الصرف لوجهين: أحدهما: أنها زائدة ليست مبدلة من شيء، بخلاف الممدودة فإنها مبدلة من ياء. الثاني: أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث نحو أرطى، فهو على مثال سكرى بخلاف الممدودة. تنبيه: حكم ألف التكثير كحكم ألف الإلحاق في أنها تمنع من العلمية نحو "قبعثرى" ذكره بعضهم. والعَلَمَ امْنَعْ صرفَه إن عُدِلا... كفُعَلِ التوكيد أو كَثُعْلا العدل يمنع الصرف مع العلمية في أربعة مواضع، وقد اشتمل هذا البيت على موضعين "منها": الأول: فُعَل في التوكيد، والمراد به جُمَع وتوابعه كقولك: "مررت بالهندات جمع" والمانع له من الصرف التعريف والعدل. أما تعريفه فبالإضافة المنوية فشابه بذلك العلم؛ لكونه معرفة بغير قرينة لفظية، هذا ظاهر كلام سيبويه وهو اختيار ابن عصفور، وذهب بعضهم إلى أنه علم، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا. قلت: وإلى الأول ذهب في الكافية، وقال في شرحها: لأن العلم إما شخصي وإما جنسي. فالشخصي مخصوص ببعض الأشخاص فلا يصلح لغيره. والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره، وجمع بخلاف ذلك، فالحكم بعلميته باطل. انتهى. وقال في التسهيل: والمانع العدل مع شبه العلمية أو الوصفية في فُعَل توكيدا. قال الشيخ أبو حيان: وتجويز ابن مالك أن العدل يمنع مع شبه الصفة في باب جُمَع لا أعرف له فيه سلفا. انتهى. وأما عدله ففيه أقوال: قيل: إنه معدول عن فعلاوات؛ لأنه جمع فعلاء مؤنث أفعل وقد جمع المذكر بالواو والنون فكان حق المؤنث أن يجمع بالألف والتاء، وهو اختيار المصنف. وقيل: معدول عن فُعْل؛ لأن قياس أفعل فعلاء أن يجمع مذكره ومؤنثه على فُعْل نحو: حُمْر في أحمر وحمراء، وهو قول الأخفش والسيرافي واختاره ابن عصفور. وقيل: إنه معدول عن فعاليّ؛ لأن جمعاء اسم كصحراء. الثاني: علم المذكر المعدول إلى فعل نحو: عمر، وطريق العلم بعدل هذا النوع سماعه "غير" مصروف عاريا من سائر الموانع ومنه: زفر ومضر وثعل وهبل وزحل وعظم وجثم وقثم وجمح وقزح ودلف وبلغ بطن من قضاعة. فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول، وذلك نحو: أدد. وهو عند سيبويه من الود فهمزته عن واو، وعند غيره من الأد فهمزته أصلية، فإن وجد في فعل مانع مع العلمية لم يجعل معدولا نحو طُويّ، فإن منعه للتأنيث والعلمية ونحو "تُتل" اسم أعجمي فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي مع العجمة. تنبيهات: الأول: فُعَل المذكور معدول عن فاعل، فعمر عن عامر وكذلك سائرها، قيل: وبعضها معدول عن أفعل وهو ثُعَل. الثاني: إنما جعل هذا النوع معدولا لأمرين: أحدهما: أنه لو لم يقدر عدله لزم ترتيب المنع على علة واحدة. وليس فيه من الموانع غير العلمية. والآخر: أن الأعلام يغلب "عليها" النقل، فجعل عمر معدولا عن عامر العلم المنقول من الصفة ولم يجعل مرتجلا. الثالث: ذكر بعضهم لعدله فائدتين: إحداهما: لفظية وهي التخفيف. والأخرى: معنوية وهي تمحيض العلمية؛ إذ لو قيل: "عامر" لتوهم أنه صفة. الرابع: ذكر بعضهم عن فُعَل علم جنس قالوا: "جاء بعلق وفلق" ولا يصرف وهو غريب. الخامس: من الممنوع الصرف للعدل والتعريف فلا يصلح لغيره علما من المعدول إلى فعل في النداء كغدر وفسق فحكمه حكم عمر. قال المصنف: وهو أحق من عمر بمنع الصرف؛ لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر. انتهى. وهو مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وتبعه ابن السيد إلى صرفه ثم انتقل إلى الموضع الثالث فقال: والعدلُ والتعريفُ مانعا سَحَرْ... إذا به التعيينُ قَصْدا يُعْتَبَرْ إذا قصد بسحر سحر يوم بعينه، فالأصل أن يعرف بأل أو بالإضافة. فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذ ظرف لا يتصرف، ولا ينصرف، نحو: "جئت يوم الجمعة سحر" والمانع له من الصرف العدل والتعريف. أما العدل فعن اللفظ بأل وكان الأصل أن يعرف بها. وأما التعريف فقيل: بالعلمية؛ لأنه جعل علما لهذا الوقت. وصرح به في التسهيل. وقيل: بشبه العلمية؛ لأنه تعرف "بغير أداة ظاهرة" كالعَلَم. وهو اختيار ابن عصفور. وقوله هنا: "والتعريف" يومئ إليه؛ إذ لم يقل: والعلمية. وذهب صدر الأفاضل -وهو أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي- إلى أنه مبني على الفتح؛ لتضمنه معنى حرف التعريف كأمس. وذهب ابن الطراوة إلى أنه مبني لا لتضمنه معنى الحرف بل لعدم "التقارب". وذهب السهيلي إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة. وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب أيضا، وإنما حذف تنوينه لنية أل. وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور. تنبيه: نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم، فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف. ويبنيه على الكسر في الجر والنصب. ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث. خلافا لمن أنكر ذلك. وغير بني تميم يبنونه على الكسر. وحكى ابن الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بمذ أو منذ فقط، وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز: لقد رأيتُ عجبا مذ أمسا........................... قال في شرح التسهيل: ومدَّعاه غير صحيح؛ لامتناع الفتح في مواضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في "أمسا" فتح إعراب، وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه. فقد غلط فيما ذهب إليه، واستحق ألا يعول عليه. انتهى. وأجاز الخليل في "لقيته أمس" أن يكون التقدير: بالأمس، فحذف الباء وأل فتكون الكسرة إعراب، ولأمس أحكام أخر ليس هذا موضع ذكرها. ثم انتقل إلى الموضع الرابع فقال: وابْنِ على الكسر فَعَالِ عَلما... مؤنثا وهو نظير جُشَمَا عند تميم...................................... لغة الحجازيين بناء فَعال علما لمؤنث نحو: "حذام" على الكسر مطلقا، وفي سبب بنائه أقوال: أحدهما: شبهه بنزال وزنا وتعريفا وعدلا وتأنيثا. والثاني: تضمنه معنى "هاء" التأنيث، وإليه ذهب الربعي. والثالث: توالي العلل، وليس بعد منع الصرف إلا البناء، قاله المبرد. والأول هو المشهور. وأما بنو تميم ففصل أكثرهم بين ما آخره راء نحو حضار فبنوه على الكسر، وبين ما ليس آخره راء فمنعوه الصرف، وبعضهم أعرب النوعين إعراب ما لا ينصرف. وإنما وافق أكثرهم فيما آخره راء؛ لأن مذهبهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها ولو منعوه الصرف لامتنعت، وقد جمع الأعشى بين اللغتين في قوله: ومرَّ دهرٌ على وَبَارِ... فهَلَكَتْ جَهْرَةً وبار ويحتمل أن يكون وباروا فعلا ماضيا والواو ضمير جمع. واختلف في منع صرفه عند تميم فذهب سيبويه إلى أن المانع له العدل عن فاعله وللعلمية. وذهب المبرد إلى أن المانع له التأنيث والعلمية، وليس بمعدول ووافق على أنها معدولة إذا بنيت. فإن قلت: مذهب المبرد هو الظاهر؛ لأن التأنيث محقق والعدل مقدر، وأيضا فلا حاجة إلى تقدير عدلها؛ لأن تقدير العدل في باب عمر إنما ارتبك لأنه لو لم يقدر لزم ترتيب المنع على العلمية وحدها، ولا يلزم من ذلك هنا. قلت: قال بعضهم: الظاهر مذهب سيبويه؛ لأن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة؛ فلهذا جعلت معدولة عن فاعلة المنقولة "عن" صفة كما تقدم في عمر. وعلى مذهب المبرد تكون مرتجلة. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "عند تميم" وإنما هو عند بعضهم. الثاني: فهم من قوله: "نظير جشما" أن المانع له العدل والعلمية وفاقا لسيبويه. الثالث: أفهم قوله: "مؤنثا" أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن؛ ولكن يمنع الصرف للعلمية عن مؤنث، ويجوز صرفه؛ لأنه إنما كان مؤنثا لإرادتك به ما عدل عنه، فلما زال العدل زال التأنيث بزواله. الرابع: فَعَال يكون معدولا وغير معدول؛ فالمعدول إما علم مؤنث كحذام وتقدم حكمه، وإما أمر نحو نزال، وإما مصدر نحو حَمَاد، وإما حال نحو: .............................. والخيل تعدو في الصعيد بداد وإما صفة جارية مجرى الأعلام نحو حَلاق -للمنية- وإما صفة ملازمة للنداء نحو يا خباث، فهذه خمسة أنواع كلها تبني على الكسر معدولة عن مؤنث، فإن سمي بها مذكر ففيه وجهان: أرجحهما منع الصرف كعناق إذا سمي به. والآخر: الصرف فيجعل كصَبَاح. ولا يجوز البناء خلافا لابن بابشاذ، وغير المعدول يكون اسما كجناح ومصدرا كذهاب وصفة نحو جواد وجنسا نحو سحاب، فلو سمي بشيء من هذه مذكر انصرف قولا واحدا إلا ما كان مؤنثا كعناق. وقوله: ......... واصرِفَنْ ما نُكِّرَا... من كل ما التعريف فيه أُثِرَا يعني: أن ما أثر فيه التعريف إذا نكر صرف لذهاب جزء العلة، والمراد بذلك الأنواع السبعة المتأخرة، وهي: ما امتنع للعلمية والتركيب أو الألف والنون الزائدتين، أو التأنيث بغير الألف، أو العجمة، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل. فتقول: ربَّ معديكربٍ وعمرانٍ وطلحةٍ وإبراهيمٍ وأحمدٍ وأرطًى وعمرٍ لقيتهم، فتصرف لذهاب العلمية. وأما الأنواع الخمسة المتقدمة، وهي ما امتنع لألف التأنيث، أو للوصف والزيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل. فهذه لا تنصرف وهي نكرة، فلو سمي بشيء منهما لم ينصرف أيضا، أما ما فيه ألف التأنيث فلأنها كافية في منع الصرف، ووهم من قال في "حواء": امتنع للتأنيث والعلمية. وأما ما فيه الوصف مع زيادتي فَعْلان، أو وزن أفعل؛ فلأن العلمية تخلُف الوصف فيصير منعه للعلمية والزيادتين، أو للعلمية ووزن أفعل؛ أما ما فيه الوصف والعدل؛ وذلك أخَرُ وفُعال ومَفْعل نحو أحاد ومَوْحَد، فمذهب سيبويه أنها إذا سمي بها امتنعت من الصرف للعلمية والعدل. وكل معدول سمي به فعدله باقٍ، إلا سَحَر وأمسِ في لغة بني تميم. هذا مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان وابن بابشاذ إلى صرف العدل المعدول مسمى به، قالوا: لأن العدل يزول بالتسمية. والصحيح مذهب سيبويه؛ لأن العدل باقٍ ولا أثر لزوال معناه. وأما الجمع الموازن مفاعل أو مفاعيل؛ فقد تقدم الكلام على التسمية به. وإذا نكر شيء من هذه الأنواع الخمسة بعد التسمية لم ينصرف أيضا، أما ذو ألف التأنيث فللألف، وأما ذو الوصف مع زيادتي فعلان أو وزن أفعل أو العدل إلى مَفعل أو فُعال؛ فلأنها لما نكرت شابهت حالها قبل التسمية فمنعت الصرف لشبه الوصف مع هذه العلل، هذا مذهب سيبويه، وخالف الأخفش في باب سكران فصرفه. وأما باب أحمر ففيه أربعة مذاهب: الأول: منع الصرف، وهو الصحيح. والثاني: الصرف، وهو مذهب المبرد والأخفش في أحد قوليه، ثم وافق سيبويه في كتابه الأوسط. قال في شرح الكافية: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته. وذِكرُ موافقته أولى؛ لأنها آخر قوليه. والثالث: إن سمي بأحمر رجل أحمر لم ينصرف بعد التنكير، وإن سمي به أسود أو نحوه انصرف. وهو مذهب الفراء وابن الأنباري. والرابع: أنه يجوز صرفه. قاله الفارسي في بعض كتبه. وأما المعدول إلى مفعل أو فعال فمن صرف أحمر بعد التسمية صرفه، وقد تقدم الخلاف في الجمع إذا نكر بعد التسمية. تنبيه: إذا سمي بأفعل التفضيل مجردا من "من" ثم نكر بعد التسمية انصرف اتفاقا؛ لأنه لم يبقَ فيه شبه الوصف إذا لم يستعمل صفة إلا بمن ظاهرة أو مقدرة. فإن سمي به مع "من" ثم نكر امتنع الصرف قولا واحدا، وسقط خلاف الأخفش؛ لأنك إن لم تلحظ أصله خرجت عن كلام العرب. قلت: وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي إجراء الخلاف فيه، فإنه قال: وذو التفضيل منعه رجح... إن قارنته من.......... وقال في شرحها: وحكمه حكم أحمر. وما يكون منه منقوصا ففي... إعرابه نهج جَوارٍ يَقْتَفِي تقدم أن الجمع الموازن لمفاعل، إذا كان منقوصا أجري في الرفع والجر مجرى سار، وفي النصب مجرى نظيره من الصحيح، ولا خلاف في ذلك، وقد سبق تغليط من حكى فيه الخلاف. وأما غير الجمع المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير مصروف، فإن كان غير علم جرى مجرى جوار ونحوه فيما ذكر بلا خلاف. نحو "أعيم" تصغير أعمى. فتقول: "هذا أعيمٍ. ومررت بأعيمٍ. ورأيت أعيمَى" وتنوينه في الرفع والجر تنوين العوض كما سبق، وإن كان علما وهو المشار إليه بالبيت ففيه خلاف. مذهب الخليل وسيبويه وأبي عمرو وابن أبي إسحاق أنه كذلك فتقول في "يُعَيل" تصغير يُعْلَى، هذا يعيل ومررت بيعيل ورأيت يعيلى. وذهب يونس وأبو زيد وعيسى والكسائي إلى أنه يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، واحتجوا بقوله: قد عَجِبَت مني ومن يُعيليا........................... والصحيح الأول؛ لأنه نظير جوار، وأما قوله: "يُعيليا" فهو عند غيرهم للضرورة. ولاضطرار أو تناسب صُرف ذو المنع والمصروف قد لا يَنْصَرِفْ أما صرف ما يستحق المنع للضرورة فمتفق على جوازه، ومنه قوله: وأتاها أحيمرٌ كأخي السهم... بعَضْب فقال: كوني عقيرا وهو كثير، وقد اختلف في نوعين: أحدهما: ما فيه ألف التأنيث المقصورة، فمنع بعضهم صرفه للضرورة، وقال: إنه لا فائدة فيه؛ إذ يزيد بقدر ما ينقص. ورد بقول المسلم بن رباح المري: إني مقَسِّمُ ما ملكت فجاعلٌ... جرما لآخرتي ودنيًا تنفع أنشده ابن الأعرابي بتنوين "دنيا". وقال بعضهم في رد هذا القول: إن الألف قد تلتقي بساكن بعده فيحتاج الشاعر إلى كسر الأول لإقامة الوزن فينون ثم يكسر. قلت: ومقتضى هذا أنه إذا لم يحتج إلى تنوينه لم ينون، وهو تفصيل حسن. والثاني: "أفْعل من" منع الكوفيون صرفه للضرورة، قالوا: لأن حذف تنوينه إنما هو لأجل "من" فلا يجمع بينه وبينها، ومذهب البصريين جوازه؛ لأن المانع له الوزن والوصف كأحمر لا "من" بدليل صرف "خير منه وشر منه" لزوال الوزن. ومثال صرفه للتناسب قوله تعالى: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} وقرأ ابن مهران: "ولا يغوثًا ويعوقا ونسرا". وأجاز قوم صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختيارا، وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقا لغة، قال الأخفش: وكأن هذه لغة الشعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشعر "فجرت" ألسنتهم على ذلك في الكلام. وأما من منع صرف المستحق للصرف للضرورة، ففي جوازه خلاف: مذهب أكثر البصريين منعه، وأكثر الكوفيين والأخفش والفارسي جوازه، واختاره المصنف، وهو الصحيح، لثبوت سماعه فمنه:د وما كان حصنٌ ولا حابسٌ... يفوقان مرداس في مَجمع وأبيات أخر. وفصل بعض المتأخرين بين ما فيه العلمية فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين وبين ما ليس كذلك فصرفه، ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا من العلم. وأجاز قوم منهم أحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختيارا.
|